كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



المسألة الخامسة:
قوله: {وَنُزّلَ الملائكة} صيغة عموم فيتناول الكل، ولأن السماء مقر الملائكة فإذا تشقق وجب أن ينزلوا إلى الأرض، ثم قال مقاتل: تشقق سماء الدنيا فينزل أهلها وهم أكثر من سكان الدنيا، كذلك تتشقق سماء سماء، ثم ينزل الكروبيون وحملة العرش، ثم ينزل الرب تعالى.
وروى الضحاك عن ابن عباس: قال تتشقق كل سماء وينزل سكانها فيحيطون بالعالم ويصيرون سبع صفوف حول العالم، واعلم أن نزول الرب بالذات باطل قطعًا، لأن النزول حركة والموصوف بالحركة محدث والإله لا يكون محدثًا.
وأما نزول الملائكة إلى الأرض فعليه سؤال، وذلك لأنه ثبت أن الأرض بالقياس إلى سماء الدنيا كحلقة في فلاة، فكيف بالقياس إلى الكرسي والعرش فملائكة هذه المواضع بأسرها كيف تتسع لهم الأرض جميعًا؟ فلعل الله تعالى يزيد في طول الأرض وعرضها ويبلغها مبلغًا يتسع لكل هؤلاء، ومن المفسرين من قال: الملائكة يكونون في الغمام منه، والله تعالى يسكن الغمام فوق أهل القيامة ويكون ذلك الغمام مقر الملائكة.
قال الحسن: والغمام سترة بين السماء والأرض تعرج الملائكة فيه بنسخ أعمال بني آدم والمحاسبة تكون في الأرض.
المسألة السادسة:
أما نزول الملائكة فظاهر، ومعنى {تَنْزِيلًا} توكيد للنزول ودلالة على إسراعهم فيه.
المسألة السابعة:
الألف واللام في الغمام ليس للعموم فهو للمعهود، والمراد ما ذكروه في قوله: {عَلَّمَهُ شَدِيدُ القوى} [النجم: 5].
والجواب: أنه تعالى قال في علم محمد صلى الله عليه وسلم: {وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ الله عَلَيْكَ عَظِيمًا} [النساء: 113] وقال عليه السلام: «أدبني ربي فأحسن تأديبي» وقال تعالى: {الرحمن علم القرآن} [الرحمن: 2] وكان عليه السلام يقول: «أرنا الأشياء كما هي» وقال تعالى لمحمد عليه السلام: {وَقُل رَّبّ زِدْنِى عِلْمًا} [طه: 114] وأما الجمع بينه وبين قوله تعالى: {عَلَّمَهُ شَدِيدُ القوى} فذاك بحسب التلقين، وأما التعليم فمن الله تعالى، كما أنه تعالى قال: {قُلْ يتوفاكم مَّلَكُ الموت} [السجدة: 11] ثم قال تعالى: {الله يَتَوَفَّى الأنفس حِينَ مِوْتِهَا} [الزمر: 42].
فإن قيل: قال نوح عليه السلام {وَمَا أَنَاْ بِطَارِدِ المؤمنين} [الشعراء: 114] وقال الله تعالى لمحمد عليه السلام: {وَلاَ تَطْرُدِ الذين يَدْعُونَ رَبَّهُمْ} [الأنعام: 52] وهذا يدل على أن خلق نوح أحسن.
قلنا: إنه تعالى قال: {إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إلى قَوْمِهِ أَنْ أَنذِرْ قَوْمَكَ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [نوح: 1] فكان أول أمره العذاب، وأما محمد عليه السلام فقيل فيه: {وَمَا أرسلناك إِلاَّ رَحْمَةً للعالمين} [الأنبياء: 107]، {لقد جاءكم رسول من أنفسكم} [التوبة: 128] إلى قوله: {رَءوفٌ رَّحِيمٌ} فكان عاقبة نوح أن قال: {رَّبّ لاَ تَذَرْ عَلَى الأرض مِنَ الكافرين دَيَّارًا} [نوح: 26] وعاقبة محمد عليه السلام الشفاعة {عسى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا} [الإسراء: 79] وأما سائر المعجزات فقد ذكر في كتب دلائل النبوة في مقابلة كل واحد منها معجزة أفضل منها لمحمد صلى الله عليه وسلم، وهذا الكتاب لا يحتمل أكثر مما ذكرناه، والله أعلم.
وأما قوله تعالى: {مّنْهُمْ مَّن كَلَّمَ الله} ففيه مسائل:
المسألة الأولى: المراد منه من كلمه الله تعالى، والهاء تحذف كثيرًا كقوله تعالى: {وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأنفس وَتَلَذُّ الأعين} [الزخرف: 71].
المسألة الثانية: قرىء {كلم الله} بالنصب، والقراءة الأولى أدل على الفضل، لأن كل مؤمن فإنه يكلم الله على ما قال عليه السلام: «المصلي مناج ربه» إنما الشرف في أن يكلمه الله تعالى، وقرأ اليماني: {كالم الله} من المكالمة، ويدل عليه قولهم: كليم الله بمعنى مكالمه.
المسألة الثالثة: اختلفوا في أن من كلمه الله فالمسموع هو الكلام القديم الأزلي، الذي ليس بحرف ولا صوت أم غيره؟ فقال الأشعري وأتباعه: المسموع هو ذلك فإنه لما لم يمتنع رؤية ما ليس بمكيف، فكذا لا يستبعد سماع ما ليس بمكيف، وقال الماتريدي: سماع ذلك الكلام محال، وإنما المسموع هو الحرف والصوت.
المسألة الرابعة: اتفقوا على أن موسى عليه السلام مراد بقوله تعالى: {مِّنْهُمْ مَّن كَلَّمَ الله} قالوا وقد سمع من قوم موسى السبعون المختارون وهم الذين أرادهم الله بقوله: {واختار موسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا} [الأعراف: 155] وهل سمعه محمد صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج؟ اختلفوا فيه منهم من قال: نعم بدليل قوله:
المسألة الثانية:
استدلت المعتزلة بقوله: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظالم على يَدَيْهِ} قالوا الظالم يتناول الكافر والفاسق، فدل على أن الله تعالى لا يعفو عن صاحب الكبيرة والكلام عليه تقدم.
المسألة الثالثة:
قوله: {يَعَضُّ الظالم على يَدَيْهِ} قال الضحاك: يأكل يديه إلى المرفق ثم تنبت فلا يزال كذلك كلما أكلها نبتت، وقال أهل التحقيق هذه اللفظة مشعرة بالتحسر والغم، يقال عض أنامله وعض على يديه.
المسألة الرابعة:
كما بينا أن الظالم غير مخصوص بشخص واحد بل يعم جميع الظلمة فكذا المراد بقوله فلانًا ليس شخصًا واحدًا بل كل من أطيع في معصية الله، واستشهد القفال بقوله: {وَكَانَ الكافر على رَبّهِ ظَهِيرًا} [الفرقان: 55]، {وَيَقُولُ الكافر ياليتنى كُنتُ ترابا} [النبأ: 40] يعني به جماعة الكفار.
المسألة الخامسة:
قرىء {يا ويلتي} بالياء وهو الأصل لأن الرجل ينادي ويلته وهي هلكته يقول لها: تعالى فهذا أوانك، وإنما قلبت الياء ألفًا كما في صحارى وعذارى.
المسألة السادسة:
قوله: {عَنِ الذكر} أي عن ذكر الله أو القرآن وموعظة الرسول ويجوز أن يريد نطقه بشهادة الحق وغيرته على الإسلام والشيطان إشارة إلى خليله سماه شيطانًا لأنه أضله كما يضل الشيطان ثم خذله ولم ينفعه في العاقبة، أو أراد إبليس فإنه هو الذي حمله على أن صار خليلًا لذلك المضل ومخالفة الرسول ثم خذله أو أراد الجنس وكل من تشيطن من الجن والإنس، ويحتمل أن يكون {وَكَانَ الشيطان} حكاية كلام الظالم وأن يكون كلام الله.
{وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا (30)}.
اعلم أن الكفار لما أكثروا من الاعتراضات الفاسدة ووجوه التعنت ضاق صدر الرسول صلى الله عليه وسلم وشكاهم إلى الله تعالى وقال: {الرسول يارب إِنَّ قَوْمِى اتخذوا} وفيه مسائل:
المسألة الأولى:
أكثر المفسرين أنه قول واقع من الرسول صلى الله عليه وسلم وقال أبو مسلم بل المراد أن الرسول عليه السلام يقوله في الآخرة وهو كقوله: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ على هَؤُلاء شَهِيدًا} [النساء: 41] والأول أولى لأنه موافق للفظ ولأن ما ذكره الله تعالى من قوله: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلّ نَبِىّ عَدُوًّا مّنَ المجرمين} [الفرقان: 31] تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم ولا يليق إلا إذا كان وقع ذلك القول منه.
المسألة الثانية:
ذكروا في المهجور قولين: الأول: أنه من الهجران أي تركوا الإيمان به ولم يقبلوه وأعرضوا عن استماعه الثاني: أنه من أهجر أي مهجورا فيه ثم حذف الجار ويؤكده قوله تعالى: {مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سامرا تَهْجُرُونَ} [المؤمنون: 67] ثم هجرهم فيه أنهم كانوا يقولون إنه سحر وشعر وكذب وهجر أي هذيان، وروى أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من تعلم القرآن وعلمه وعلق مصحفًا لم يتعهده ولم ينظر فيه جاء يوم القيامة متعلقًا به يقول يا رب العالمين عبدك هذا اتخذني مهجورًا، اقض بيني وبينه» ثم إنه تعالى قال مسليًا لرسوله عليه الصلاة والسلام ومعزيًا له {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلّ نَبِىّ عَدُوًّا مّنَ المجرمين} وبين بذلك أن له أسوة بسائر الرسل، فليصبر على ما يلقاه من قومه كما صبروا ثم فيه مسائل:
المسألة الأولى:
احتج أصحابنا بهذه الآية على أنه تعالى خلق الخير والشر لأن قوله تعالى: {جَعَلْنَا لِكُلّ نِبِىّ عَدُوًّا} يدل على أن تلك العداوة من جعل الله ولا شك أن تلك العداوة كفر قال الجبائي: المراد من الجعل التبيين، فإنه تعالى لما بين أنهم أعداؤه، جاز أن يقول: جعلناهم أعداءه، كما إذا بين الرجل أن فلانًا لص يقال جعله لصًا كما يقال في الحاكم عدل فلانًا وفسق فلانًا وجرحه، قال الكعبي: إنه تعالى لما أمر الأنبياء بعداوة الكفار وعداوتهم للكفار تقتضي عداوة الكفار لهم، فلهذا جاز أن يقول: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلّ نَبِىّ عَدُوًّا مّنَ المجرمين} لأنه سبحانه هو الذي حمله ودعاه إلى ما استعقب تلك العداوة، وقال أبو مسلم: يحتمل في العدو أنه البعيد لا القريب إذ المعاداة المباعدة كما أن النصر القرب والمظاهرة، وقد باعد الله تعالى بين المؤمنين والكافرين والجواب عن الأول: أن التبيين لا يسمونه ألبتة جعلًا لأن من بين لغيره وجود الصانع وقدمه لا يقال إنه جعل الصانع وجعل قدمه والجواب عن الثاني: أن الذي أمره الله تعالى به هل له تأثير في وقوع العداوة في قلوبهم أو ليس له تأثير؟ فإن كان الأول فقد تم الكلام لأن عداوتهم للرسول صلى الله عليه وسلم كفر فإذا أمر الله الرسول بما له أثر في تلك العداوة فقد أمره بما له أثر في وقوع الكفر وإن لم يكن فيه تأثير ألبتة كان منقطعًا عنه بالكلية فيمتنع إسناده إليه، وهذا هو الجواب عن قول أبي مسلم.
المسألة الثانية:
لقائل أن يقول إن قول محمد عله السلام: {يارب إِنَّ قَوْمِى اتخذوا هذا القرآن مهجورًا} في المعنى كقول نوح عليه السلام {رَبّ إِنّى دَعَوْتُ قَوْمِى لَيْلًا وَنَهَارًا فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِى إِلاَّ فِرَارًا} [نوح: 5، 6] وكما أن المقصود من هذا إنزال العذاب فكذا هاهنا فكيف يليق هذا بمن وصفه الله بالرحمة في قوله: {وَمَا أرسلناك إِلاَّ رَحْمَةً للعالمين} [الأنبياء: 107]؟ جوابه: أن نوحًا عليه السلام لما ذكر ذلك دعا عليهم، وأما محمد عليه الصلاة والسلام فلما ذكر هذا ما دعا عليهم بل انتظر فلما قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلّ نَبِىّ عَدُوًّا مّنَ المجرمين} كان ذلك كالأمر له بالصبر على ذلك وترك الدعاء عليهم فظهر الفرق.
المسألة الثالثة:
قوله: {جَعَلْنَا} صيغة العظماء والتعظيم إذا ذكر نفسه في كل معرض من التعظيم وذكر أنه يعطي فلابد وأن تكون تلك العطية عظيمة كقوله: {وَلَقَدْ ءاتيناك سَبْعًا مّنَ المثاني} [الحجر: 87] وقوله: {إِنَّا أعطيناك الكوثر} [الكوثر: 1] فكيف يليق بهذه الصيغة أن تكون تلك العطية هي العداوة التي هي منشأ الضرر في الدين والدنيا؟ وجوابه: أن خلق العداوة سبب لازدياد المشقة التي هي موجبة لمزيد الثواب، والله أعلم.
المسألة الرابعة:
يجوز أن يكون العدو واحدًا وجمعًا كقوله: {فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِى} [الشعراء: 77] وجاء في التفسير أن عدو الرسول صلى الله عليه وسلم أبو جهل.
أما قوله: {وكفى بِرَبّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا} فقال الزجاج الباء زائدة يعني كفى ربك وهاديًا ونصيرًا منصوبان على الحال هاديًا إلى مصالح الدين والدنيا، ونصيرًا على الأعداء، ونظيره {يا أيها النبى حَسْبُكَ الله وَمَنِ اتبعك مِنَ المؤمنين} [الأنفال: 64]. اهـ.